من منا لا يخاف من فكرة الموت نفسها وابتعاده عن المحبين له وافتقاده للمقربين من قلبه، ولكن هل خوف الإنسان يشير إلى نهاية أجله لا يشترط بالطبع وهذا ما سوف نتعرف عليه بالتفصيل في المقال التالي وكيفية التغلب على هذا الشعور.
إجابة هذا السؤال هي لا بالطبع، لأن الموت من مفاتح الغيب الخمسة التي لا يعرفها إلا المولى-سبحانه وتعالى- فلا أحد يعلم موعد موته ولا مكانه.
جميعنا لسنا على أتم الاستعداد للموت أو لا نخاف منه حيث أن الخوف مرتبط بالوساوس والاضطرابات النفسية التي يعانيها الشخص وليس أكثر من هذا.
الحقيقة المؤكدة أن جميعنا نخشى الموت ونخافه ولكن تختلف تلك الدرجة ما بين شخص وآخر، والخوف الطبيعي يتملك الإنسان بسبب هلعه من أحداث يوم القيامة والثواب والعقاب وبسبب اندماجه مع الدنيا وخوف على المقربين منه.
يرى الدين أنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالخوف من الموت وعدم الاستعداد له.
شعور الإنسان بقرب الأجل ناتج عن تفكيره الدائم في الموت وخوفه من أهواله وما يحدث بعده وتأثير الشيطان ووساوسه عليه.
يعاني بعض الناس من شعورهم باقتراب أجلهم طوال الوقت وهذا نتيجة أمر مرضي ووسوسة من الشيطان لأن الله-عز وجل- اختص بهذا الغيب نفسه وحده.
يجب على المرء أن يجتهد في حياته ويعيشها ويعمل من أجل عمارة الأرض والقيام بالأعمال الصالحة، فالموت آت لا محالة لذا على الإنسان أن لا يفكر كثيراً في الأمر ولا يترك نفسه لوساوس الشيطان.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن أحبَّ لقاءَ اللهِ، أحبَّ اللهُ لقاءَهُ، ومن كرِهَ لقاءَ اللهِ، كرِهَ اللهُ لقاءَهُ، فقيلَ: يا رسولَ اللهِ كراهيةُ لقاءِ اللهِ في كراهيةِ لقاءِ الموتِ، فَكُلُّنا يَكْرَهُ الموتَ، قالَ: لا، إنَّما ذاكَ عندَ موتِهِ، إذا بُشِّرَ برحمةِ اللهِ ومغفرتِهِ، أحبَّ لقاءَ اللهِ، فأحبَّ اللهُ لقاءَهُ، وإذا بُشِّرَ بعذابِ اللهِ، كرِهَ لقاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لقاءَهُ )
وفي تفسير هذا الحديث أن السيدة عائشة أوضحت أن الجميع يكره الموت ولم تستثني رسولنا الكريم منه، ويقصد بها هنا الكراهية التي تم فطرتنا جميعاً عليها والخوف الطبيعي من الموت.
نعم حيث أنه بشكل كبير يقوم الشيطان بزرع وساوسه في نفوس البشر ويجعلهم يخافون ولا يرغبون في القيام بأي شيء ويبتعدون عن الله ولا يتقربون منه.
قال المولى-عز وجل- في كتابه العزيز في سورة ص ” قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين” هذا لسان حال إبليس يتوعد لذرية آدم، فإنه يرغب في إبعادها عن الحق فبدلاً من أن يتعظ المرء بموت المقربين منه فإنه يفتن به ويجعله مدرك أن أعماله لا يتم قبولها وسوف يذهب إلى النار لا محالة.
يبدأ المرء في اتباع وساوس الشيطان ولا يقوم بالأعمال الصالحة لأن مهما فعل فهو قليل ويبتعد عن طريق الله، وهذا بالطبع يجعله في حالة من الحزن والاكتئاب يسيطر عليه وأحياناً اليأس يدفعه إلى الانتحار.
جميعنا نفكر في الموت ولكن لا يدل هذا بالطبع على قرب الأجل، ولكن التفكير المستمر في الموت هو أحد المخاوف النفسية والتي تمنع من استمتاع الشخص بأي شيء سعيد في حياته، تحرمه من الكثير من الأشياء حتى يسيطر عليه فكرة الانتحار وتجعل الشخص يعيش في حالة من القلق والترقب الدائم.
ربما يرجع التفكير المستمر في الموت إلى الإصابة بحالة نفسية معقدة والاكتئاب أو الخوف من فقدان شخص عزيز آخر أو فقدان الرغبة في الحياة.
يجب أن يبتعد الإنسان الذي سيطر عليه الأمر بشكل كبير عن قصص الأشخاص المرضى وموتهم، أن لا يختلى بنفسه كثيراً وعليه أن يندمج مع الناس ويختلط بهم، إلهاء العقل بالأنشطة المختلفة وابتعاده عن فكرة الموت وإذا لم يجد تحسن في حالته فعليه المتابعة مع دكتور نفسي متخصص.
من طبيعة البشر الاطلاع على كل شيء حولهم والفضول والرغبة في التعرف على الأشياء المبهمة وهذا ما يعمل على تولد الخوف من الموت.
جهل الإنسان بطريقة موته وسير الأمور خارج سيطرته وعدم تحكمه في أي شيء يزرع الخوف بداخله من ذلك المستقبل الذي لا دخل له فيه.
الإنسان يجهل طريقة موته ويخيل له الألم الذي يصاحبه من مرض أو حادثة مما يعمل على الإحساس بالخوف من لحظة الموت نفسها وما يشعر به خلالها.
مرور الشخص بصدمة نفسية كبيرة في الصغر أو الكبر نتيجة فقدانه أحد الأفراد المقربين منه، والذي عاش معهم تفاصيل الفقدان تترك أثر سيء في نفسه وخوف كبير من تكرار الألم مرة ثانية.
هناك بعض الأشخاص الذين يخافون على صحتهم بشكل مبالغ فيه ويصيبهم القلق إذا تعرضوا لأي إصابة أو مرض، ويستمر هذا الخوف بالتفاقم حتى يصل إلى الخوف من فقدان الحياة والموت بالطبع.
قد أجريت بعض الأبحاث والدراسات التي بينت خوف كبار السن من مرحلة الاحتضار وخروج الروح، بينما الصغار في السن يخافون من مفهوم الموت نفسه.
من أحد أهم أسباب وسواس الخوف من الموت هو أن الإنسان أثناء إصابته بنوبة هلع، فإنه يفقد السيطرة على نفسه ويصاب بالذعر الشديد ويخاف بالطبع من هلاكه أو موته.
الشخص الذي يعاني من مرض ما أو مشكلة جسدية فبالطبع هذا يولد لديه شعور الخوف من الموت وقلقه من التفكير في المستقبل.
بالطبع لا علاقة بالمس أو السحر بخوف الإنسان من الموت، ولكن الخوف أمر طبيعي للغاية يتملك الجميع.
على الإنسان أن يدرك أن الموت علينا حق وأن لكل شخص وقت وساعة لا يحيد عنها وينتقل إلى حياة البرزخ ودار الخلود والبقاء، يلتقي مع أحبائه وينسى الدنيا بهمومها وأمراضها وابتلاءاتها ومخاوفها.
إذا زاد الخوف عن الحد الطبيعي فهذا يعتبر وسواس يسيطر على الإنسان ويجعله يفكر في الانتحار لكي يقتل ذلك الشعور، وفي تلك الحالة يجب ضرورة المتابعة مع طبيب نفسي مختص.
جميعنا نقوم بفعل الذنوب فلا أحد منا معصوم منها خاصةً في الوقت الحالي مع كثرة المُلهيات والتقدم التكنولوجي وعصر الانفتاح الذي نعيشه.
يجب على المرء أن لا يصر على فعل الذنب ويتوب إلى الله-عز وجل- توبة نصوحة ويرجوه ويستغفره ولا يرهق نفسه في التفكير في هذا الأمر.
قال المولى -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) سورة الزمر.
وسواس الموت يقصد به الحالة النفسية التي تؤثر على المرء وتجعله غير قادر على التفكير في أي شيء آخر أو يكون له رغبة في القيام بشيء ما.
الشخص لا يتمكن من التفكير في شيء خلاف الموت فهو يسيطر على كل حياته ويعاني من الشعور بالتوتر والقلق والاكتئاب ويشعر بضيق في الصدر ونغزات في القلب.
يرى أغلب الفقهاء أن الإنسان لا يتمكن من الشعور باقتراب أجله ولا يعرف موعد موته لأنها من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله وحده.
يخاف كل شخص من الموت خوف طبيعي يمنعه من القيام بالشر والقيام بفعل الخيرات والتقرب إلى الله بالطاعات والأعمال الحسنة، ويجب أن يكون الخوف بقدار معتدل يجعلنا لا ننقطع عن الحياة ونسعى من أجل تعمير الأرض والسعي فيها والتمتع بها.
يرى العلماء أن الخوف المبالغ فيه من الموت الذي يعانيه منه المرء ما هو إلا نتيجة حالة مرضية واضطرابات نفسية تسيطر عليه.
ينتج عن بعض التغيرات التي تحدث بالمخ وتؤثر على الجسم فيبدو عليه أعراض المرض بطريقة مفاجئة وتكون مصحوبة بحالة من الخوف الشديد من الموت ويشعر بأنه سوف يجن أو يفقد صوابه.
هناك بعض الأعراض والعلامات التي تظهر على الشخص المصاب بوسواس الخوف من الموت ومنها ما يلي:
الإصابة بنوبات الخوف من الموت تختلف من شخص لآخر ولكن هناك فئة من الناس يكونون أكثر عرضة من غيرهم مثل:
الشخص المصاب بوسواس الخوف من الموت عليه أن يدرك أنه في ابتلاء واختبار ويثق بأن الله-عز وجل- هو الشافي المعافي وبيده كل شيء.
يتقرب إلى الله بالطاعات والعبادات والإكثار من الأذكار والتسابيح والاستغفار، يقوم بصلاة الفروض في مواعيدها والحرص على النوافل، قراءة القرآن والتدبر والإكثار من الصدقات وأعمال الخير.
العزلة عن العائلة والأصدقاء تزيد من شعور الخوف من الموت، ذلا على الشخص أن يستثمر وقته مع المقربين منه مما يجعله يشعر بالكثير من الراحة النفسية بعد اختلاطه بهم واندماجه معهم.
المطالعة تعمل على تنشيط الحالة الذهنية للشخص وتأخذه من حالة الشرود والحيرة التي تسيطر عليه إلى حالة أفضل، وتعمل على رفع روحه المعنوية حيث تأخذه الكتب إلى حيوات أخرى وعالم مختلف من الإبداع.
التوتر والانفعالات لها دور كبير في تغير مزاج الشخص وتؤثر على حالته النفسية، لذا يجب البعد عنها وتجنب الدخول في أي نقاشات أو خلافات.
هذا ضروري من أجل أن يحافظ الشخص على اتزانه للخروج من حالة الإحباط التي تسيطر عليه وتجعله يخاف من فكرة الموت.
الحرص على اللجوء إلى وسائل الترفيه المختلفة والقيام بالمغامرات وتجربة الأشياء الجديدة والترحال إلى أماكن الطبيعة والهدوء والابتعاد عن الازدحام والعمران، وهذا من شأنه يعمل على تحسين الحالة النفسية والمزاجية بشكل كبير للشخص.
الشخص المصاب بوسواس الخوف من الموت عليه أن يقوم بتجربة أشياء مختلفة ويحدث بعض التغيرات في نظام حياته مثل تكوين صداقات جديدة، زيارة أماكن لم يزورها من قبل، ممارسة الهوايات المختلفة وهذا يعمل على تحسين حالته المزاجية بشكل كبير.
التخلص من العادات الغذائية السيئة يعمل على تحسين الحالة النفسية والمزاجية للأشخاص المصابين بوسواس الخوف من الموت.
يجب الامتناع عن المشروبات الغازية وتقليل الكافيين وشرب قدر كافي من الماء يومياً، والحرص على نوم عدد ساعات كافية لما يتسبب به الأرق في زيادة التوتر والقلق ويؤثر على الأعصاب.
-«اللَّهمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ، وربَّ العرشِ العظيمِ، ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ، أنتَ الظَّاهرُ فليس فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليس دونَكَ شيءٌ، مُنزِلَ التَّوراةِ، والإنجيلِ، والفُرقانِ، فالقَ الحَبِّ والنَّوى، أعوذُ بكَ مِن شرِّ كلِّ شيءٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِه، أنتَ الأوَّلُ فليس قبْلَكَ شيءٌ، وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَكَ شيءٌ».
-«اللهم اكفني ما أهمني، وما لا أهتم له، اللهم زودني بالتقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير أينما توجهت، اللهم يسرني لليسرى، وجنبني العسرى، اللهم اجعل لي من كل ما أهمني وكربني سواء من أمر دنياي وآخرتي فرجًا ومخرجًا، وارزقني من حيث لا أحتسب، واغفر لي ذنوبي، وثبت رجاك في قلبي، واقطعه ممن سِواك، حتى لا أرجو أحدًا غيرك، يا من يكتفي من خلقه جميعًا، ولا يكتفي منه أحد من خلقه، يا أحد، من لا أحد له انقطع الرجاء إلا منك».
-« رب امنحني من سعة القلب، وإشراق الروح، وقوة النفس، ما يعينني على ما تحبه من عبادك؛ من مواساة الضعيف والمكسور والمحروم والملهوف والحزين، واجعل ذلك سلوة حياتي، وسرور نفسي، وشغل وقتي، وقرة عيني»