القضاء والقدر خيره وشره من أهم أركان الإيمان التي يتطرق إليها العبد لكي يفهم معناها وفوائدها ويرغب في معرفة كيفية أن يرضى بقضاء الله وقدره وهو شرط لصحة إيمانه وهذا ما سوف نتعرف عليه بالتفصيل في الفقرات التالية.
الرضا بالقضاء والقدر معناه
الرضا بالقضاء والقدر معناه
- أن يرضى العبد بقضاء الله وقدره معناه أن يقبل كل ما يقضي به الله-عز وجل- دون تردد أو معارضة وقد قيل أن ( الرضا هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام) لأن كل ما يحصل لك أو عليك هو قدر الله فلا يحزن الإنسان على ما فاته ولا يخاف مما هو آتي.
- أن يسلم الإنسان تمام التسليم بأن ما يحدث قد قضاه الله له وقدره في عمله.
- معرفة المرء أن المولى -سبحانه وتعالى- يتصرف بحكمة ورحمة وعناية كبيرة لذا على العبد أن يرضى ويحسن الظن بالله لكي تستقيم له نفسه وقلبه.
- مقادير الله ثابتة لا تتغير إلا بما حدده الشرع فقط كما أوضح الله عز وجل أن القدر لا يرده إلا الدعاء.
- أن يرضى المؤمن بأن الله ربه ويمتثل لأوامره ويجتنب نواهيه ويشعر بالرضا لأقداره المفرحة منها والمؤلمة وبكل نعمة يحصل عليها ومصيبة تصيبه وأن كل ما يصيبه يقابله بسعادة وسرور ولا يسخط أو يعترض على حاله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)
معنى القضاء والقدر
- هناك قسم من العلماء من فسر القضاء والقدر بأنهم شيء واحد وهناك من قام بتفصيل كل منها عن الأخر. والمعنى الشرعي للقضاء والقدر هو تقدير الله تعالى الأشياء منذ الأزل ومعرفته سبحانه وتعالى بمكان وقوعها وأوقاتها والصفات المحددة التي تمتلكها وإرادته عز وجل للشيء إذا أراد له أن يكن فيكون.
- على الإنسان أن يدرك تمام الإدراك أن الله-عز وجل- هو خالق كل شيء وهو وحده المتصرف في هذا الكون الكبير ولا يدور في ملكه إلا الذي يريده هو جل في علاه.
- أمر الله نافذ لا محالة ولا يمكن الهروب من القضاء والقدر.
- أراد المولى- سبحانه وتعالى- بالقضاء والقدر طمأنة الناس بأن مستقبلهم بيد الخالق وحده ولا يتمكن أحد من إلحاق الضر بغيره إلا إذا كان أمراً مقضياً.
كيف يرضى المؤمن بأقدار الله؟
- الإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان التي تناولها الحديث النبوي حيث سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان بعد أن سأله عن الإسلام قال: فأخبرني عن الإيمان؟ فقال" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"
- أن يؤمن أن اختيار الله عز وجل للعبد لا يحمل له إلا الخير في كل أمور حياته حيث قال تعالى" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"
- أن يعلم المرء أن ما يصيبه من ابتلاءات هي تكفير لذنوبه وسيئاته حتى يلقى ربه طاهراً من الآثام والخطايا كما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أن " يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خُفف عنه وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة"
- أن ينظر العبد حوله ليطلع على ابتلاءات الآخرين ويعلم أنه ليس الأشد والأعظم بينهم حيث قال ابن القيم( عبودية العبد لربه في قضاء المصائب الصبر عليها ثم الرضا بها وهو أعلى منه، ثم الشكر عليها وهو أعلى من الرضا وهذا إنما يتأتى منه إذا تمكن حبه من قلبه وعلم حسن اختياره له وبره به ولطفه به وإحسانه إليه بالمصيبة وإن كره المصيبة)
- يفكر الإنسان في عواقب وآثار الابتلاءات والشدائد التي يمر بها لأنها تقربه من الله عز وجل وتذكره به وتعينه على الاستغفار والتوجه بالدعاء الدائم له وينال الأجر العظيم نتيجة صبره ورضاه حيث قال الله -عز وجل- " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" وقال رسولنا الكريم (عِظم الجزاء مع عِظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)
- معرفة المكانة العالية التي ينالها العبد الصابر والراضي بقضاء الله وقدره كما قال الحق جل في علاه في كتابه العزيز " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم وحمة وأولئك هم المهتدون"
ما هو الفرق بين القضاء و القدر؟
القدر هو تقدير كل شيء تقديراً مسبقاً على خلقه وحدوثه أي تحديد ماهيته وخاصيته وصفته كماً وكيفاً وزماناً ومكاناً.
القضاء هو حدوث الشيء أو الفعل بأهميته وخاصته وصفته وكيفه وزمانه ومكانه حسب إرادة الله عز وجل.
مراتب القضاء والقدر أربعة ليس من بينهم الرضا بالقضاء والقدر.
أن نؤمن بأن الله تعالى هو عالم بكل شيء فيما يتعلق بفعله الذي يفعله جملة وتفصيلاً كالخلق والموت والحياة وإنزال الغيث أو فيما يتعلق بفعل المخلوقين مثل أقوال الإنسان وأفعاله مثل قول الله تعالى" وعنده مفاتح الغيب لا عيلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"
مشيئة الله للمقضيات والمقدرات قبل حدوثها وتعني أن نؤمن بأن كل كائن وجوداً أو عدماً فهو بأمر الله ومشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ودليل هذا قول الله-عز وجل- " ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد"
أن يتم كتابة المقضيات والمقدرات قبل حدوثها وأن نؤمن بأن الله-عز وجل- كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة كما قال في قوله الكريم" إن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب"
أن يؤمن العبد بأن الله-عز وجل- هو خالق كل شيء وقال تعالى ( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً)
ما هو جزاء الرضا؟
هناك فرق بين الصبر والرضا حيث الصبر واجب الحكم ويأثم الإنسان إذا لم يصبر على ما أصابه من مكروه ويعرض نفسه لعقوبة الله عز وجل.
الرضا هو درجة أعلى من الصبر وهي درجة السابقين بالخيرات وهي مستحبة وليست واجبة فلا إثم على المسلم إن لم يصل إليها ويجب عليه أن يجاهد نفسه والشيطان حتى يصل إلى تلك الدرجة.
الصبر أن يقوم الإنسان بمنع نفسه من فعل شيء أو قول شيء يدل على كره قدر الله أو البلاء الذي نزل به فيمسك نفسه عن الاعتراض على قدر الله أو الشكوى لغير الله ويمتنع عن كل ما يدل على الجزع كاللطم وشق الثياب وكسر الأشياء وضرب الرأس في الحائط.
الرضا هو الصبر وزيادة والإيمان والتسليم بالقدر خيره وشره حيث يكون الأمران سواء بالنسبة له والرضا يجعل الله -عز وجل- راضي عن عباده ويزيل الحزن والهم والغم الذي يصيبهم.
الرضا يثمر الشكر ويصفي الذهن ويفرغ قلب العبد من أجل العبادة فيصلي وهو خالي الذهن غير مشتت أو حيران.
فوائد الرضا بالقضاء والقدر
الرضا بقضاء الله وقدره هو من تمام الإيمان حيث يعمل على الخلاص من الشرك وإحسان الظن بالله وقوة الرجاء والإخلاص في القول والعمل.
التغلب على الكثير من الأمراض التي تفتك بالمجتمع وتزرع الأحقاد بينها مثل الحسد وتمني زوال النعم من العباد والحقد عليهم.
الخوف من الله والحذر من سوء الخاتمة وتحرير العقل من الخرافات والأباطيل.
الحزم في الأمور والحرص على الأشياء التي تدعو للخير في الدين والدنيا.
التواضع والسلامة من الاعتراض على أحكام الله الشرعية وأقداره الكونية والتسليم لأمر الله في كل شيء.
سكون القلب وطمأنينة النفس وراحة البال وعدم اليأس من انتصار الحق والتواضع لله وشكره على نعمه.
- يقين الإنسان بالعوض من الله تعالى
رضا الإنسان بقضاء الله وقدره في كل ما يصيبه وصبره واحتسابه وامتثاله لأمر الله يقوم الله عز وجل بهدي قلبه وإنقاذه من شر أكبر فيعوضه بالشيء الأكثر خيراً مما أُخذ منه.
- انشراح الصدر وطمأنينة النفس وذهاب الهم والحزن
العبد الذي يرضى بقضاء الله وقدره يصبح منشرح الصدر ومطمئن البال وغني النفس ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فالله-عز وجل- هو المقدر وهو الميسر لجميع أموره كما قال عمر بن عبد العزيز ( أصبحت وما لي من سرور إلا في مواضع القضاء القضاء والقدر)
- الأجر الكبير في الآخرة والنجاة من النار
وعد الله الصابرين بالثواب الجزيل من فيض رحمته ومغفرته وهدى قلبهم كما قال سبحانه" ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"
حيث طمأنة الناس أن أقدارهم تقع بين يدي الله ولا يتمكن أحد من إلحاق الأذى والضرر به إلا إذا كان هذا مقدراً في علم الغيب ولا نفعه أيضاً إلا إذا كتبه الله تعالى له.
كما أمرنا رسولنا الكريم في وصيته لعبد الله بن عباس رضي الله عنه حيث قال له" يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك لا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"
الآيات الواردة في القضاء والقدر
لقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تتحدث عن قضاء الله وقدره مثل:
- قال الله -سبحانه وتعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ).
- قال الله -عز وجل-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
- قال المولى -سبحانه وتعالى-: (عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
- يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
- قال الله -عز وجل-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
هل الحزن يعتبر اعتراض على قضاء الله؟
بعض الناس يرى أن الحزن والبكاء هو اعتراض على قدر الله وقضائه أو عدم رضاه بأمر الله وفي الحقيقة أن تلك الأمور لا علاقة لها ببعضها البعض حيث أن نبي الله يعقوب فقد بصره بسبب الحزن 40 سنة.
حيث لم تتعارض نبوته مع حزنه وإيمانه ورضاه بقضاء الله وقدره ونبي الله موسى غضب من قومه فالمشاعر الطبيعية من الحزن والخوف والغضب والقلق من المعتاد أن يمر بها المرء ويشعر بها دون أن تتعارض مع الرضا بقضاء الله وقدره والاستسلام لأمره.
إن حزن القلب لا يتعارض مع الصبر ما دام لم يكن هناك سخط على قدر الله لذا لا يعتبر الحزن اعتراض على قضاء الله على الإطلاق.