اختار الله- عز وجل- من عباده الرسل والأنبياء وأمرهم بدعوة الناس إلى الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه وتعليم الناس الدين وطريق الحق والصواب وتحذيرهم من طريق المعاصي والضلال وعذاب الله، ومقالنا التالي سوف يسلط الضوء على الكتب السماوية التي أنزلها الله -سبحانه وتعالى -والانبياء والرسل الذين اختصهم من عباده.
أرسل الله الرسل والأنبياء للبشر
أرسل الله الرسل والأنبياء للبشر
نعم الله -عز وجل- أرسل إلى عباده الأنبياء والرسل لأن الناس في حاجة إلى من يرشدهم إلى الطريق المستقيم ويبلغهم ما يحبه الله ويرضاه وما يرفضه ويغضب منه، وكثير من الأشخاص ضلوا الطريق المستقيم فبعث الله الرسل من أجل تهذيبهم وهدايتهم جميعاً وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وتحريرهم من الرق والعبودية إلى حرية عبادة رب العباد.
نجد أن أسباب إرسال الله الرسل والأنبياء للبشر كثيرة وسوف نستعرض منها ما يلي:
- تبليغ الدين ودعوة الناس إلى الله: أوكل الله عز وجل للرسل والأنبياء مهمة تبليغ الدين للناس وإيصالهم لهم من غير تحريف ولا تبديل، وبيان الأوامر والنواهي والدعوة إلى الله وتوحيده وعدم الشرك به.
- إقامة الحجة على الناس: قطع الله الحجة على الناس من خلال إرسال الرسل والأنبياء لهم وأنزل معهم الآيات البينات التي تدل على صحة النبوة وصدقهم، وهذا لكي لا يقوم أحد الخلق ويحتج يوم القيامة بأن الله لم يبعث رسول ولا نبي يرشدهم لطريق الصواب.
- إرشاد الناس لما فيه خير وصلاح في دينهم ودنياهم: مهما كان ما يمتلكه البشر من القدرات والإبداعات فهم عاجزون عن إقامة حياتهم بالخير والابتعاد عن الشر والضلال، فكان هناك حاجة إلى إرسال الرسل لهم من أجل تزكية نفوسهم وإصلاحها وتطهيرها من الشرور وتعليمهم أمور دنياهم ودينهم وتوضيح الطريق الصحيح الذي يوصلهم إلى الله.
- اجتماع الأمة على دين واحد: نرى أن اجتماع الناس على دين واحد واتباعهم لشخص واحد مؤيد بالآيات والبراهين والمعجزات يجعل منهم مجتمع متماسك وأكثر تعاوناً وقوة، وهذا بدوره يعمل على إصلاح المجتمع ككل واستقامته على الطريق المستقيم.
- حاجة الناس إلى الرسل: الخلق جميعهم في حاجة إلى وجود من يتخذونه أسوة حسنة ويتبعون سيرته ويتأسون به في تعاملاته وعباداته وأفعاله في جميع مجالات الحياة وهذا من أجل الاستقامة والوصول إلى الوجهة الصحيحة والتقرب من الله ونيل رضاه ورضوانه وجنته.
لماذا أرسل الله الرسل وانزل الكتب
أرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب إلى عباده من أجل إظهار الطريق المستقيم لهم وتمهيده لعبادة الله وتوحيده ونيل رضاه، وقال الله -عز وجل- في كتابه العزيز " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" حيث أن الإنسان أوجده الله في الحياة الدنيا من أجل عبادته وتوحيده وفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولن يتمكن البشر من القيام بذلك من دون الرسل الذين يمهدون لهم الطريق ويدعونهم إلى معرفة الله واتباع دينه واصطفى الله الرسل من عباده وجعلهم مبرئين من كل عيب وكل خلق معيب، وأيدهم بالمعجزات والحجج والبراهين وأنزل عليهم البينات والهدى وأمرهم بدعوة الناس إلى عبادة الله حق العبادة.
إقامة الحجة على البشر بإرسال الرسل كما قال الحق جل في علاه في الكتاب العزيز" رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً"، فالله أرسل الرسل ليقطع دابر الكافرين فلا يتحججوا بكفرهم بأن الله لم ينذر لهم نذير أو رسول يهديهم ويدعوهم وليعلم علم ظهور وإلا فهو تعالى يعلم من يطيعه ممن يعصيه، وليقوم بالحجة الدامغة على عباده فيحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وبرهان.
أغلب الناس لا يدركون بعقولهم الكثير من الغائبات ولذلك هو في حاجة إلى من يقوم بتعليمهم ذلك مثل التعرف على أسماء الله الحسنى وصفاته، ومعرفة الملائكة والجن والشياطين، والاطلاع على النعيم الذي أعده الله عز وجل للمؤمنين من عباده والطائعين في دار الرضوان وما يعده للعاصين في دار السخط والإهانة، ولذا هم في أشد الحاجة لمن يعلمهم تلك الأمور ويطلعهم على الأشياء الضرورية، فلو لم يقوم الله ببعث وإرسال الرسل لما علم الناس تلك الأمور الغيبية ولكما آمنوا إلا بالأشياء التي يدركونها فقط ويشعرون بها بحواسهم فسبحانه جل شأنه الذي أنعم على عباده ببعث الأنبياء والرسل منهم.
البشر في حاجة إلى القدوة الحسنة من الذين أنعم الله عليهم بالأخلاق الفاضلة وعصمهم من الشبهات فأنعم عليهم بنبراس الهدى ومصابيح الدجى حتى يتأسى بهم الخلق، ويقتدون بهم ويتخذونهم أسوة حسنة في سيرتهم وحياتهم ويسيرون على طريقهم حتى يصلون إلى دار السلام.
الرسل هم القدوة لمن يتبعونهم في الطاعات والأخلاق والمعاملة الحسنة والسير على الطريق المستقيم وحسن التعبد لله عز وجل كما قال في كتابه الكريم " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"
بعث الله الرسل جميعاً عليهم السلام من أجل إصلاح النفوس وتزكيتها وتطهيرها وتحذيرها من كل ما يؤذيها فهم تم بعثهم من أجل الدلالة على الطريق المستقيم والإرشاد إلى الطريق الصحيح، وتوجيه العباد نحو الأخلاق الحميدة وإبعادهم عن الأفعال الذميمة.
قال ابن تيمية أن حاجة العباد إلى بعثة المرسلين كثيرة فالرسالة هي روح العالم والنور الذي يهديه والدنيا مظلمة وملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة.
ماذا يمكن ان يحدث لو لم يرسل الله تعالى الرسل؟
هل يدرك البشر لو كانت حياتهم تخلو من طريقة يتمكنون من خلالها من التواصل مع خالقهم، فلا يمكننا أن نتخيل حياتنا دون بعث الأنبياء والرسل أو بدون نزول الكتب السماوية والشرائع والرسائل والوحي وعدم وجود البشر الذين اختارهم الله وأنعم عليهم واصطفاهم لتبليغ رسالته وهداية عباده لما كان للوجود معنى ولا نتشر الخطيئة والفساد بين البشر.
عدم وجود الأنبياء والرسل يعني نشوب التنازع بين الناس واختلاف وجهات النظر والعقائد وتعددت الديانات وتصارع الناس فيما بينهم على وجود تعاليم الدين من عدمها وربما اتفقوا أو اختلفوا فيما بينهم.
عدم وجود الرسل والرسائل السماوية لكان العقل لم يهتد إلى تفاصيل الأشياء النافعة له والضارة فمن أعظم النعم التي من بها الله علينا هو إرسال الرسل والمبشرين والمنذرين لنا وأنزل كتبه علينا وبين لنا الطريق المستقيم وطريق الضلال.
لكان اختلف الناس فيما بينهم وابتعدوا عن طريق الله وتسارعوا على الدنيا ولم يلتفتوا للأخرة وتكالبوا على المتاع الفانية وابتعدوا عن ما يرضي ربهم فحاجة الناس إلى الرسل لا تماثلها حاجة واضطراراهم إلى بعثتهم لا تفوقها ضرورة، ووضح ابن تيمية أن ليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته ولا كحاجة العين إلى ضوئها والجسم إلى الطعام والشراب، بل إنها أعظم من ذلك وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال فالرسل هي وسائط بين الله وخلقه وهم السفراء بين الله وعباده.
كيف اختار الله الأنبياء من بين البشر؟
اختار المولى-سبحانه وتعالى- الأنبياء والرسل من البشر لدعوة الناس إلى توحيد الله وترك عباده ما سواه، واختارهم من بين خلقه وفضلهم على الناس بالرسالة والنبوة وأيدهم بالمعجزات الكثيرة وجميعهم من الرجال من البشر حيث يأكلون ويشربون وينامون ويتزوجون مثل باقي الخلق وتنزل بهم المصائب والبلايا والأمراض، كما قال المولى عز وجل في كتابه العزيز " قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده"
كان من أكثر الأسباب التي منعت الناس وصدتهم عن دعوة الرسل والاستجابة لهم هو أن الرسالة نزلت على بشر مثلهم، وهناك أقوام اعتبرت إرسال رسل من نفس جنسهم فيه تقليل من شأنهم واستهزاء بهم كما جاء في قول الحق جل في علاه " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً" ، واعتبروا أن باتباعهم لبشر مثلهم فيه خسارة كبيرة لهم وأرادوا أن تكون الرسل من الملائكة يشاهدونهم أو على الأقل يبعث الله مع الرسول من البشر رسول من الملائكة، ولكن الله سبحانه وتعالى كان له الكثير من الحكمة في اختيار الرسل من البشر وهذا ما سوف نتعرف عليه من خلال النقاط التالية:
- الابتلاء والاختبار: حيث اختار الله عز وجل رسله من البشر من أجل الابتلاء لهم وبهم كما وضح في حديثه القدسي فيكون الابتلاء لهم من خلال اختبار النبي وما يظهر منه وقيامه بتبليغ الرسالة كما أمر بها أم لا وصبره في الله تعالى، وجعل الحق جل في علاه ابتلاءه لعباده من الأنبياء والرسل رفعة لهم في درجات الجنة ولكي يكونوا قدوة لمن بعدهم كما جاء عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" أي الناس أشد بلاءً قال الأنبياء ثم الأمثل ثم الأمثل".
- التفضيل: قيام الله عز وجل باختيار بعض من عباده لكي يحملوا الرسالة السماوية ويكونوا رسل هو تكريم وتفضيل لهم فهم من خيرة الخلق وأفضلهم.
- قدرة الأنبياء البشر على القيادة والتوجيه: وهنا تظهر رحمة الله بعباده حيث يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلاً منهم لكي يدعوا بعضهم البعض والانتفاع من بعضهم البعض وفي الأخذ عنهم، والرسول من البشر هو أقدر على قيادة وتوجيه من مثله من البشر والحرص على توجيههم وإرشادهم إلى الصواب، وقول الله سبحانه وتعالى " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم"
- القدوة والأسوة: اختص الله بعض من عباده من البشر ليكون رسولاً عليهم حتى يكونوا قدوة لمن حولهم لأنهم الأفضل والأصلح من أجل الاقتداء والتأسي بهم، ولو كانوا من غير البشر لكان من الصعب على الناس التعامل معهم وعجزوا عن الاقتداء بهم واتخاذهم قدوة لهم في أفعالهم.
- صعوبة الاتصال بالملائكة ورؤيتهم: حيث أن البشر لا يستطيعون رؤية الملائكة وتلقي الأوامر والنواهي منهم بسهولة ويسر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو موفور العقل والدين لم يتحمل رؤية جبريل عليه السلام على صورته الحقيقة التي خلقه الله بها فكيف للبشر أن يحتملوا هذا الأمر ، وتضمنت الكثير من النصوص أن البشر يمكنهم فقط تحمل الملائكة لو ظهروا لهم في هيئة بشر ولكان الله لو أراد أن يرسل ملكاً رسولاً لأرسله من البشر فكان الناس يختلط عليهم هذا الأمر، ولا يستطيعون التحقق من كونه ملكاً ولا رؤيته على هيئة ملك فلا يوجد فائدة من ذلك كما جاء في الكاب العزيز " ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون"